نشرت وكالة “رويترز” للأنباء خبرا يوحي بأن مقابلة أُجريت معي بشأن تعويضات ليهود ليبيا أدت الى ردود فعل عديدة في عدة مواقع وصحف عربية وليبية
. وأريد انتهاز هذه الفرصة لتوضيح الامور وللتعبير عن آرائي الشخصية التي ُتفسر موقفي في هذا الموضوع بلساني وليس بلسان اي وكالة انباء. موقفي هذا قائم على وقائع تاريخية يمكن لأي شخص ان يتحقق منها الا اذا كانت غايته هي تزييف وتحريف التاريخ
يرجع تاريخ اليهود في ليبيا الى 2400 عام، أي 1300 عام قبل وصول العرب اليها. تعايش اليهود دائما بانسجام ووئام مع شعوب الشرق الاوسط والعالم الاسلامي وعلى الرغم من التهجير او اضطرارالبعض الهرب من اوطانهم، بقي اليهودي العربي متمسكا بتقاليده وتراثه،لغته العربية، موسيقى ومأكولات بلده وسعى على تعليمها لأولاده. واثباتا على هذا كان تهاتُف اليهود العراقيين على المشاركة في الانتخابات العراقية.
كان لليهود دورا فعالا ومهما فى مختلف البلاد الاسلامية تحت سلطة العرب والدولة العثمانية وساهموا فى تطور المنطقة من الناحية الاقتصادية، التجارية، الاجتماعية والثقافية.
فى القرن التاسع عشر وفى فترة الاحتلال الايطالى والفاشستي لليبيا حارب اليهود جنبا الى جنب مع ابطال ليبيا ضد جرائم الفاشستيين. من ضمنهم كان جدي ” رافائيل لوزون” الذى حارب جنبا الى جنب مع البطل رمضان الشتيوي فى مسراتا.
لم تكن لأي يهودي اي رغبة او نية في ترك الوطن – ليبيا – حتى سنة 1945، عندما حصلت مضاهرات دموية ضد اليهود بدون اي سبب ُيذكر. الشئ الذي زعزع ايمان عدد من اليهود. وبعدها جاءت الوجبة الثانية من المضاهرات فى عام 1948 لتثبت الشكوك. عدد الضحايا فى هذه الاعتداءات وصل الى 400 قتيل وعدد اكبر من الجرحى وكذلك تم حرق البيوت والمحلات والممتلكات الاخرى (هذا كله لم يكن من تدبير الجمعيات اليهودية لحث اليهود للهجرة كما تيداعى البعض بل كانت من افعال الرعاع الذين لم يحترموا حتى دينهم الاسلامى الذى يدعو بعدم الاساءة لمن يختلف معهم فى الدين والعقيدة وخاصة اهل الكتاب).
نتيجة هذه الافعال تزايد الخوف والهلع عند %90 من اليهود مما ادى الى الهجرة الجماعية الى ايطاليا والى اسرائيل لأنها الدول الوحيدة التى اعطتهم حق اللجوء. ولو لم تحصل كل هذه الاساءات، فمن المستبعد ان كان حتى %10 من اليهود قد فكر في الهجرة من وطنهم ومسقط رأسهم. فالاكثرية الساحقة تركت ليبيا بسبب الخوف وليس الايديولوجية.
في فترة ما بعد استقلال ليبيا تراوح عدد اليهود الذين عاشوا فى طرابلس وبنغازي حوالي 7000 نسمة. وعلى الرغم من انهم كانوا مواطنين شرفاء وصالحين، عملوا بجهد في وظائفهم لكسب معيشتهم وأدوا واجباتهم بكل اخلاص كدفع الضرائب و ما شابه ذلك، فقد ُمنعوا من عدة حقوق مثل حق التصويت او الترشح للانتخابات، حق العمل في الموأسسات العامة والحكومية او الخدمة فى الجيش. ومع كل هذا طغى حبهم لليبيا على انزعاجهم من عدم المساواة. بالمقارنة، يحق لأى عربي اسرائيلي، منذ قيام دولة اسرائيل وحتى يومنا هذا، ان ينتخب وُينتخب للبرلمان الاسرائيلي. والعرب الاسرائيليون لهم حقوقهم وواجباتهم كأي مواطن آخر.
هناك من يريد اعطاء فكرة أن مسألة التعويضات ليهود ليبيا متعلقة بالقضية الفلسطينية فأنا لا افهم هذا المنطق ولكن دعوني أن أعلن من هذا المنبر بأنى شخصيا مؤمن بحق كل شعب ان تكون له دولته.
استمرت الجالية اليهودية الليبية، والتي تراوح عددها 7000 نسمة بتمسكها بالوطن رغم كل ما واجهته. ولكن فى عام 1967 تعرضت من جديد الى حملة جديدة من الاعتداءات، فقد حرقت البيوت والمتاجر والمحلات وقتلوا 16 شخصا ومن ضمنهم ثمانية من افراد عائلتي (من بينهم امرأة وستة اطفال) بدم بارد وبدون اي سبب على يد ضابط في الجيش الملكى الليبي على رأس وحدة عسكرية. وبعدها صدر أمر ترحيل كل اليهود (مع السماح لكل فرد ان يأخذ حقيبة صغيرة و20 جنيه فقط) واضطرارهم على ترك كل ما لديهم من اموال واملاك التى شقوا فى تكوينها والتي صودرت بالكامل فيما بعد.
امتنع جميع اليهود الليبيين من اي نشاط سياسي او تأييد اي حزب سياسي لأن ولاءهم للوطن ليبيا الحبيبة وحدها وليس لأي سلطة كانت، او ستكون. واثباتا على ذلك ففى فترة الحصار على ليبيا لم يؤيد اى يهودي هذا الحصار وانما العكس هو الصحيح. ومن المؤسف جدا ان النشطاء الليبيين المعنيين في قضايا حقوق الانسان لم يشملوا ابدا الطائفة اليهودية فى اهتماماتهم، ارجو ان تكون غلطة غير مقصودة وليست امر ُمتعمد. ولكني رجل متفائل فأني ارى بصيص صغير من الامل بتصريحات السيد سيف الاسلام بالنسبة لموضوع حقوق اليهود واتمنى ان يسمح لي عن قريب بزيارة ليبيا، الامر الذي قدمت على طلبه مرتين ولحد الان ما زلت انتظر تحقيقه بفارغ الصبر.
امنيتى ان ُيعترف بليبيتي وعروبتى ولا أجد بذلك اي تناقض مع اعتناقي الدين اليهودي. شبيهة العربى الذي يسكن فى اسرائيل ويحمل جواز السفر الاسرائيلي ويعتنق الدين الاسلامى اوالمسيحي او المذهب الدرزي. كما اتمنى ان استطيع زيارة مسقط رأسي برفقة والدتى التي تجاوزت العقد الثامن من عمرها لأحقق لها حلم زيارة ليبيا مثل عديد من الليبيين (مسلمين، مسيحيين ويهود) الذين ينتظرون بفارغ الصبر يوم العودة وكذلك برفقة ابنتي التي ربيتها على حب ليبيا من خلال ذكريات طفولتي وحكايات والدتي؛ اريدها ان ترى بأم عينيها اين ولدتُ وأين وُلد اجدادها، وأن لا يكون الشئ الوحيد الذي تعرفه ابنتي عن ليبيا هو موقعها على الخارطة.
عندما ادعو بالمطالبة للحصول على تعويضات فأنني لا أدعو لتعويضات لي شخصيا او لليهود فقط وانما ادعو للعدالة لكل اخواني الليبيين بلا تمييز عنصري او ديني.
انا شخصيا وكرجل متعمق في التأريخ لا انكر بأن عبر قرون عديدة عاش اليهود في ظل الاسلام وتَوفَقوا واسهموا في مجالات كثيرة منها، الثقافة، العلم التجارة والاقتصاد. وكانوا دائما فخورون بعروبتهم وبدينهم. واريد الذكر بأن يهود الغرب عانوا اكثر في ظل الحروب الصليبية والنازية.
املي أن اجد من العرب المسلمين والعرب اليهود الذين يؤمنون مثلى بأنه يجب تفهم بعضنا البعض ومحاولة جادة لايجاد المشترك للتقرب من بعضنا وليس المناقض الذى سيبعدنا عن بعض. فدعونا نتفاءل لاجل مستقبل زاهر لليبيا الحبيبة.
والسلام عليكم جميعا.
رافائيل لوزون
رئيس الجالية اليهودية الليبية فى المملكة المتحدة